سوريا بين تحديات الحاضر وآفاق المستقبل

هيفاء غيث_ تمر سوريا بمرحلة حساسة عقب انتهاء حكم عائلة الأسد الذي استمر قرابة نصف قرن لقد شكلت الأزمة السورية منذ اندلاعها عام 2011 اختباراً قاسياً للشعب السوري ولاستقرار الدولة. ومع سقوط النظام السابق تبلورت تساؤلات عديدة حول مستقبل سوريا.
هل تتجاوز حالة الفوضى الراهنة؟ هل تسيطر الحكومة الحالية على فلول النظام السابق؟ وهل تنتقل سوريا من الطائفية إلى الوحدة والعدالة والمساواة؟
بعد سنوات من الصراع ما زالت سوريا في خضم الفوضى. ومع رحيل النظام السابق، يلوح للشعب السوري أفق لتصحيح المسار، لكن تحديات جمة تعترض هذا التغيير من أبرز هذه التحديات تنوع القوى المسيطرة على الأرض، بين فصائل مسلحة معارضة وقوات أجنبية متواجدة على الأراضي السورية لأهداف جيوسياسية، كالقوات الأمريكية والروسية والتركية.
وفي ظل غياب الوحدة السياسية والشعبية حول رؤية موحدة لمستقبل سوريا، يبقى تخطي الفوضى مرهوناً بإيجاد توازن بين هذه القوى المتعددة. تتفاوت الحلول السياسية المطروحة في قدرتها على تحقيق الاستقرار، لكن الصراع المستمر على النفوذ يظل التهديد الأكبر للسلام المستدام في سوريا، مما يستدعي قيادة موحدة قادرة على نزع فتيل التوترات وتوجيه البلاد نحو إصلاحات سياسية حقيقية.
هل سيطرت الحكومة الحالية على فلول النظام السابق؟
واجهت الحكومة المؤقتة، التي تولت السلطة بعد رحيل الأسد، تحدياً كبيراً في السيطرة على القوى المتبقية من النظام السابق، التي امتلكت شبكة علاقات ومصالح واسعة. ورغم محاولات الحكومة الانتقالية للحد من تأثير هذه القوى، لا يزال هناك حضور لفلول النظام في بعض القطاعات. تشير بعض التقارير إلى أن مسؤولين سابقين شغلوا مناصب رفيعة في النظام قد تسللوا إلى مؤسسات الحكومة الجديدة، مما يعكس تأثير النظام السابق على الهياكل الحكومية الراهنة، ويعقد مهمة الإصلاحات، ويؤثر سلباً في قدرة الحكومة على محاربة الفساد واستعادة ثقة المواطنين.
على الرغم من الجهود المبذولة لإعادة السيطرة على المؤسسات الحكومية، لا تزال الفصائل الموالية للنظام السابق جزءاً من التحديات التي تواجه الحكومة الحالية في سعيها لإعادة بناء الدولة. في هذا السياق، تبقى قدرة الحكومة على تحقيق الاستقرار الداخلي مرتبطة بإضعاف هذه الفلول وتطبيق إصلاحات حقيقية تعيد تشكيل المؤسسات وتقضي على الفساد الذي طالما ميز النظام السابق.
هل تتجاوز سوريا الطائفية نحو الوحدة والعدل والمساواة؟
لطالما شكلت الطائفية أحد أبرز العوامل التي أضعفت سوريا وأشعلت الحرب الأهلية. لقد ساهم النظام السابق في ترسيخ الانقسامات الطائفية عبر تفضيل بعض المجموعات على غيرها، مما زج بالبلاد في حرب طائفية شرسة، مخلفاً آثاراً سلبية عميقة في النسيج المجتمعي السوري.
لكن غياب النظام السابق قد يمنح سوريا فرصة جديدة للخروج من هذا المأزق الطائفي، شريطة أن تعمل الحكومة الانتقالية على تنفيذ إصلاحات دستورية تضمن العدل والمساواة بين جميع المكونات الاجتماعية والسياسية. إن بناء الوحدة الوطنية يمثل مسعى صعباً، إذ يظل الخوف من تغلب فئة على أخرى حاضراً في السياسات السورية. وتتطلب هذه المرحلة نمطاً جديداً من التعايش والتسامح بين مختلف الطوائف، وهو أمر لا يتحقق إلا عبر عملية سياسية شاملة تقوم على احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير، وتعزيز الثقة بين جميع الأطراف، بما في ذلك الأقليات.
إلى متى يستمر الوضع الراهن في سوريا؟
في ظل غياب الاستقرار السياسي الشامل، يصعب التنبؤ بمستقبل سوريا. تعيش البلاد حالة من الفراغ السياسي مع غياب رؤية واضحة للمرحلة المقبلة، وتستمر القوى الدولية والإقليمية في التدخل في شؤونها، مما يؤثر على قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة. إن استمرار التدخلات الخارجية من دول مثل إيران وتركيا والولايات المتحدة، وتأثير هذه القوى في التطورات السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى العدوان الإسرائيلي المتكرر، يعكس حقيقة أن سوريا قد لا تستعيد سيادتها الكاملة قريباً. يضاف إلى ذلك أن النظام السياسي الجديد يحتاج إلى دعم المجتمع الدولي ليكتسب الشرعية، وهو أمر قد يستغرق وقتاً طويلاً في ظل الصراعات المستمرة.
لا تزال سوريا بعد انتهاء حكم الأسد في مرحلة مفصلية، حيث تواجه تحديات جمة تهدد استقرارها ووحدتها، كالفوضى السياسية والأمنية، واستمرار تأثير فلول النظام السابق والطائفية. هذه العوامل تجعل إعادة بناء الدولة السورية عملية بالغة التعقيد. ومع ذلك، يبقى الأمل معقوداً على جهود الحكومة الانتقالية والشعب السوري في السعي لتحقيق العدالة والمساواة، وتبني رؤية وطنية موحدة. إن نجاح هذه الجهود يعتمد على القدرة على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية، والتوصل إلى حل شامل يعيد لسوريا مكانتها الطبيعية في المنطقة.