تجديد العلاقات الأردنية مع الهند

استمعت بانتباه شديد إلى المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد يوم أمس السبت الموافق الخامس عشر من شهر شباط في البيت الابيض من قبل كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، الذي مضى على توليه هذا المنصب في الهند أحد عشر عاماً، أو منذ العام 2014.
في ذلك المؤتمر، غطى الجانبان مجالات التعاون لتعزيز العلاقات فيما بينهما، وهنالك أوجه من التعاون ما يكفينا أن نستفيد منه نحن في الأردن مستقبلاً، وهنالك ما يجب علينا أن نحذر منه ونتوجس منه خيفة ليس لأننا مرتبطون بقوة بالاقتصاد الهندي فقط، بل لأننًا ايضاً جزء من العالم العربي الذي ربما تتعرض مصالحه الاسترايتجية لضغوط هائلة في ظل التقارب الأمريكي الهندي الجديد.
ودعونا نستعرض بعض الحقائق. لقد بلغت صادرات الأردن إلى الهند عام 2023 حوالي (1.73) مليار دولار أمريكي تشكل أملاح البحر الميت والفوسفات الأغلبية منها.
ولكن السلع المرسلة إلى الهند متنوعة مثل الأسمدة، والنحاس والألمنيوم، والحديد، ومعدات الرصاص والزينك ومعدات الدهان وغيرها، والملابس وأشياء أخرى.
وهذا رقم مهم لأنه يشكل حوالي 10% من الصادرات الأردنية. ويتمتع الأردن بفائض صغير في التجارة مع الهند، حيث تصدر الهند للأردن حسب احصاءات 2023 ما قدره (1.61 مليار دولار) وعليه فإن الفائض التجاري والبالغ حوالي 120 مليون دولار هو لصالح الأردن.
ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى استثمارات مباشرة، حيث يساهم رأس المال الهندي في صناعة الملابس التي يصدر منها الأردن للولايات المتحدة ما قدره (1.6) مليار دولار سنويًا.
وكذلك، فإنّ الهند تستثمر في الأردن في صناعة الأحماض والأسمدة الكيماوية .
اما من ناحية ناحية أخرى فإنّ الهند تعتبر من أكبر الدول ذات العلاقة مع الوطن العربي. وقد بلغت تجارة الهند العام 2023 - 2024 ماقدره 161.6 مليار دولار مع دول الخليج العربية الست منها (56.3) مليار دولار صادرات زراعية هندية مقابل تصدير للهند بلغ 105.3 مليار دولار في نفس السنة. ويعمل هنا حوالي ( 8 - 10) مليون عامل هندي في الخليج، وتبلغ الاستثمارات المشتركة بين الهند ودول الخليج اكثر من (100) مليار دولار .
اذن فالهند بالنسبة لنا كأردن، و كدول عربية، تشكل واحدة من اهم الشركاء التجاريين .
في المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه الرئيسان الامريكي والهندي يوم أمس أكدا على التعاون في عدد من المجالات. وأولها في رأيي ويهم دول الخليج والأردن هو مشروع الكوريدور الهندي، وهو جزء من سلسلة التزويد العالمية التي ستنقل البضائع من الهند واليها عبر طريق يمر من الهند إلى المملك العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، ثم الى الأردن ثم عبر إسرائيل إلى أوروبا. والنص المقترح لهذا المشروع الذي أطلق مبادرته الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في قمة العشرين بمدينة نيودلهي عاصمة الهند عام 2023 ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي سرعان ما صرح أن هذه المبادرة جاءت منه، علماً أن الرئيس بايدن نسبها إلى الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الامارات العربية المتحدة.
والطريق مهم لنا في المستقبل لأن الأردن يشكل مفصلاً أساسياً فيه. ولرئيس بايدن فقد ذكر أن الخط يمر عبر الأردن الى أوروبا دون أن يذكر حيفا. بينما قال الرئيس ترامب في مؤتمره الصحفي إن الخط سوف يأتي من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات إلى اسرائيل دون أن يذكر الأردن.
أما النقطة الثانية فهي سعي الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء الهند على زيادة التبادل التجاري بينهما سيصل الى (500) مليار دولار دولار سنويا علمًا انه لا يزيد حالياً عن (250) مليار. وهو يريد أن تأتي الزيادة كلها في بيع الولايات المتحدة النفط الخام والغاز الطبيعي مباشرة الى الهند، واذا صح هذا القول، فإن دول الخليج سوف تفقد كثيراً من حجم مبيعاتها من المشتقات الأحفورية إلى الهند. وبسبب الفرق في كلف النقل من الشراء من السعودية والإمارات وقطر، أو ايران، فإنّ الولايات المتحدة مضطرة لتخفيض أسعارها لكي تكون منافسة، ولا اعتقد أن هذا الأمر سيكون سهل التحقيق بالنسبة للولايات المتحدة.
أما النقطة الثالثة فهي اتفاق البلدين على الدخول كشريكين في انتاج بعض المعادن النادرة، وفي التعاون في مجال الطاقة والفضاء والذكاء الاصطناعي وهذا بالطبع يخلق طاقة هائلة اذا فتحت ابواب المؤسسات البحثية الالكترونية من البلدين على التعاون فيما بينها، وقامت الجامعات الأمريكية الرئيسية بفتح فروع عاملة لها في الهند كما طلب الرئيس الهندي "مودي". وكذلك، فإنّ الولايات المتحدة وافقت على بيع طائرات 35 F الجاسوسية المتطورة إلى الهند كما فعلت مع اسرائيل. وبالمقابل طالب الرئيس الامريكي بتطبيق التعرفة الجمركية العادلة على البضائع الأمريكية التي تستوردها الهند مثل السيارات وغيرها من السلع بعد تخفيض الجمارك عليها، واذا نجحت هذه الفكرة، فإنّ الهند ستكسب أكثر مما تخسر، وكذلك الولايات المتحدة، وإذا نجح البلدان بضم روسيا إلى هذا المثلث فإنّ جبهة قوية سوف تخلق لمواجهة الصين. وإذا حصل هذا الأمر، فإن روسيا سوف تخرج كاسبة من حرب أوكرانيا، وسيَحول الرئيس الأمريكي دون انضمام روسيا إلى اي ترتيبات أوروبية منافسة لأمريكا وسوف تخسر الدول النفطية وجود الروس في منظمة أوبك (+) ، والتي كان تضامنها مع دول الخليج سببًا رئيسيا في الحفاظ على سعر النفط مرتفعًا.
وقد اتفق الرئيسان على التعاضد والتنسيق من أجل محاربة الارهاب الاسلامي كما سماه ترامب في المؤتمر، وإن بدا مبرراً ، الا انه سيكون فرصته لاتخاذ موقف معاد من الدول الاسلامية.
وهنا قد يجد الأردن نفسه في مأزق ليس بالسهل. وإنني لأرى أمام هذه الحقائق أن تُجرى اتصالات على أعلى مستوىً ممكن بين الأردن والهند من أجل تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.
وانا واثق ان زيارة دولة مرتبة ومدروسة من قبل صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ستحقق هذه الزيارة، في ظل الظروف الحالية، فائدة كبيرة من الهند القادرة على الاستثمار المشترك، وعلى المساهمة في تطوير التكنولوجيا الحديثة في الأردن، وعلى استمرار تدفق تجارة الموارد الطبيعية إليها، وعلى الاستفادة من فرص التعليم المتميزة في الجامعات الهندية، وعلى الاستفادة من العلاقات مع الهند، لجعل الكوريدور الهندي حلقة وصل بين القارة الهندية ودول الخليج من ناحية، وأوروبا والقارة الامريكية الشمالية من ناحية أخرى، وذلك عبر الأردن.
والأردن قادر بفكره المعتدل، وإسلامه السوي، وتآخيه مع أصحاب الديانات الدولية الأخرى، أن يعطي الهند وأهلها صورة مختلفة عن الصورة النمطية السلبية التي تسود بينهم في الوقت الحالي.
تاريخ التعاون العربي الهندي في كل المجالات طويل ومهم، والعلاقات بيننا يجب الا يشوبها الفزع والخوف والتربص بل الوئام والتنسيق والعمل المشترك لجعل هذا العالم افضل مكانًا للعيش الآمن والأمن السلام بين شعوب الأرض.