مركز "العودة" يناقش في لندن الأبعاد القانونية والإنسانية للإبادة في غزة

في ظل تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، نظم مركز "العودة" الفلسطيني (مستقل مقره بريطانيا) مؤتمرا بعنوان "الإبادة الجماعية: المسؤولية العالمية نحو غزة"، شارك فيه نخبة من الأكاديميين والأطباء والإعلاميين العالميين لتسليط الضوء على تداعيات الحرب والحصار على القطاع والتحديات التي تواجه تطبيق القانون الدولي.
أولاً: الإبادة الجماعية والقانون الدولي
في الجلسة الافتتاحية التي حملت عنوان "الإبادة الجماعية في القانون الدولي: تحديات المساءلة وازدواجية المعايير"، تناول المتحدثون العقبات القانونية التي تحول دون محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الفلسطينيين.
وافتتحت الجلسة، المحامية المتخصصة في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان هايدي ديجمستال، بالتأكيد على أهمية اتفاقية 1948 التي تفرض على الدول منع جرائم الإبادة الجماعية، مشيرة إلى التحديات السياسية التي تعيق تنفيذ القانون الدولي.
وأكد البروفيسور ريتشارد فولك من جامعة "برينستون" على الفجوة بين المبادئ المعلنة للقانون الدولي وواقع تطبيقه، مستعرضاً استغلال القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة لحق النقض (فيتو) لتعطيل المساءلة القانونية.
فيما أشار القارئ في القانون العام في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS) جامعة لندن، الدكتور نمر سلطاني إلى ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع جرائم الإبادة.
وتناول أستاذ القانون الدولي في جامعة "كوين ماري" في لندن، لي جوردون، كيفية إعادة تفسير القانون الدولي لتبرير استهداف المدنيين، وأوضح أنه تُصَنَّف المستشفيات والمدارس كمواقع عسكرية إذا زُعم استخدامها لأغراض قتالية، مما يبرر استهدافها.
واختتمت المحامية فلسطينية أمريكية متخصصة في القانون الدولي، لارا البورنو الجلسة بالتأكيد على إجماع خبراء القانون الدولي على أن السياسات المتبعة في غزة تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية.
ثانياً: شهادات من غزة – واقع الصمود والمعاناة
انتقلت الجلسة الثانية بعنوان "أصوات من غزة: شهادات حية عن الواقع والصمود" إلى سرد الصورة المأساوية للقطاع.
وقدم أخصائي التخدير وأستاذ طب الطوارئ بجامعة "ترومسو" في النرويج الدكتور مادس جيلبرت، إحصاءات مفزعة عن حجم الدمار في غزة، حيث دُمّرت 69 بالمئة من البنية التحتية، وتضررت 80 بالمئة من المنشآت التجارية، مع معاناة 91 بالمئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي، واحتياج 1.9 مليون شخص إلى مأوى عاجل.
وتحدث وزير الصحة في غزة، الدكتور يوسف أبو الريش، عن جهود الطواقم الطبية في ظل النقص الحاد بالمستلزمات الطبية، محذراً من انهيار القطاع الصحي بعد استهداف 22 من 38 مستشفى واستشهاد أكثر من 500 من العاملين بالمجال الصحي.
وتناول الصحفي الفلسطيني أحمد الناعوق صعوبة عمل الإعلاميين الذين يتعرضون للاستهداف لتوثيق الجرائم، فيما أكد الدكتور وسام عامر على أن استهداف المؤسسات التعليمية يُعد هجوماً منهجياً على مستقبل الأجيال، مشبهاً ما يحدث بـ"نكبة ثانية".
ودعا الدكتور أحمد مخللاتي إلى تضامن فعّال يشمل الضغط السياسي والقانوني وإعادة بناء البنية التحتية والصحية في القطاع.
ثالثاً: التضامن الدولي – من الكلمات إلى الأفعال
وركزت الجلسة الختامية، التي حملت عنوان "التضامن الدولي – تحويل المناهضة إلى أفعال"، على دور المجتمع الدولي في دعم القضية الفلسطينية وتحويل المعاناة إلى خطوات عملية لمحاسبة الاحتلال:
وأكدت الدكتورة نادية ناصر نجاب من جامعة "إكستر" أن القضية الفلسطينية ليست قضية محلية بل دولية، منتقدة سياسات "التطبيع الناعم" التي تهدف إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية.
استعرضت نائبة المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، غراسيا كاريتشيا، نتائج حملة المنظمة التي حققت تفاعلاً رقمياً هائلاً، بما في ذلك أكثر من 1.25 مليون مشاركة وتوقيعات تصل إلى 365,000 خلال الأسابيع الأولى.
وتناولت المحامية ميرا نصير الإجراءات القانونية المتخذة لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، مشيرة إلى التزام المملكة المتحدة بتسليم من يخضع لمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.
عرضت نوفيريت كالرا من منظمة Code Pink فعالية المقاطعة الاقتصادية ضد الشركات الداعمة للاحتلال، لافتةً إلى دور هذه الإجراءات في الضغط على الأنظمة الداعمة للاحتلال.
واختتم المؤتمر بتأكيد الحاجة إلى استمرار النضال والمحاسبة الدولية، مؤكدين أن قضية غزة تمثل اختباراً حقيقياً لأخلاق المجتمع الدولي في الدفاع عن حقوق الإنسان. ووجه المشاركين دعوة للمجتمع العالمي لتحويل التضامن إلى أفعال ملموسة تشمل الضغط السياسي والدبلوماسي، التحركات القانونية والمقاطعة الاقتصادية، بهدف إنهاء نظام الفصل العنصري وضمان حق العودة والحرية للفلسطينيين.