بوتين : روسيا برمّتها تدعم الهجوم في أوكرانيا "أكسيوس": وزير الدفاع الاميركي ألغى رحلته المقررة إلى إسرائيل ترامب يخطط لإعلان اتفاق ينهي حرب غزة وسيقدَّم لـ"إسرائيل" كأمر ناجز الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي واشنطن تعلن آلية جديدة لتوزيع المساعدات في غزة لا تشمل "إسرائيل" مقتل جنديين في غزة وزير الخارجية يجري محادثات موسعة مع نظيره الياباني 5800 مهندس أدلوا بأصواتهم حتى الساعة 12 ظهرا إطلاق نسخة مطوّرة من لعبة تعليمية رقمية للصفوف الثلاثة الأولى شخص يقتل والدته طعناً في البادية الشمالية الأرصاد الجوية ترصد وجود بقعة شمسية شمال عمان "خوم" الماليزية تنفي تقاضي الأردن أموالاً مقابل إنزالات غزة الملك يعود أرض الوطن انطلاق انتخابات نقابة المهندسين أجواء حارة في أغلب المناطق وفيات الجمعة 9-5-2025 جنود الاحتلال قتلى وجرحى في رفح وكتائب القسَّام تكشف التَّفاصيل "الميداني الأردني" في نابلس يجري عمليات جراحية ويواصل تقديم خدماته الطبية الهيئة الخيرية ترد على افتراءات مواد مضللة على الجهد الإغاثي الفايز: التقدم في أي دولة بوابته الأساسية التعليم
+
أأ
-

سوريا ولبنان: تاريخ من التلاقي والتجاذب

{title}
صوت جرش الإخباري

تيودور الراعي 



 



هل تتيح التحولات الأخيرة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، توقع آفاق علاقة جديدة بين لبنان وسوريا؟ ضبابية المشهد لا ترسم أفقا واضحا بعد، لكن عودة عكسية يمكن أن تساعد في تبلورها قدما، بعدما عرفت مرحلتين يمكن وضعها تحتهما: المرحلة الأولى امتدت من 1920، تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير حتى 2008، والمرحلة الثانية من 2008 عند بدء التبادل الديبلوماسي بين لبنان وسوريا. 



 



طُبعت المرحلة بين 1920 و2008، بعدم الاستقرار وتنكر ضمني لسوريا لحقيقة الكيان اللبناني. 



 



ظهرت بذور هذا الموقف عشية المحادثات الأوروبية، في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، حيث تجاذبت القوى السياسية السورية واللبنانية بين مؤيد لسوريا الكبرى، وعلى رأسها الأمير فيصل، وتيار آخر برز على رأسه البطريرك الياس الحويك، دافع عن قيام لبنان الكبير. أسس هذا التجاذب لمسألة "كيان لبنان وعلاقته بجارته سوريا". كان الحدث الأبرز في هذا الجو مبايعة العضو المستقيل سعيد جرجس البستاني ومعاونيه لفيصل، ما أحدث توترا في الداخل اللبناني، انتهى إلى نفيهم الى كورسيكا. شهد عام 1920 إعلان دولة لبنان الكبير وقيام الدولة السورية التي قسمت إلى أربع ولايات: دمشق، حلب، جبال العلويين وجبل الدروز. اتحدت حلب ودمشق عام 1923 مكونتين الاتحاد السوري. وعام 1936 اتحدت الولايات الأربع لتصير سوريا التي نعرفها اليوم. بعد هذه الوحدة، بدأ الحديث عن علاقة بين كيانين مستقلين.



 



أدار الفرنسيون منذ سنة 1920، الولايات السورية ولبنان كوحدة اقتصادية متماثلة، مركزها بيروت، من دون أن يمس ذلك باستقلال أيٍّ من الدولتين، فكان لكل دولة موازنتها وإدارتها الخاصة، تموّل من ضرائبها الداخلية. وكان المفوض السامي يدير الشؤون المشتركة بينهما، في محاولة لإعادة الازدهار الى البلدين بعدما انهكتهما الحرب العالمية الأولى. وصل هذا التعاون إلى قيام سكك حديد تجارية تربط البلدين، واتحاد جمركي وحرية نقل رأس المال. الجدير بالذكر أنه عام 1928، حاول المفوض السامي هنري بونسو إنشاء موازنة تتضمن المصالح المشتركة، تبعتها محاولة إنشاء مؤتمر المصالح المشتركة لتحديث الوسائل تحسينا لسير تلك المصالح. ترك بونسو مركزه وفشلت محاولته، مع العلم أنها تتلاءم مع الوحدات الاقتصادية، إلا أنها واجهت معارضة شديدة من السلطات اللبنانية والبطريرك الماروني خوفا على الاستقلال الوطني. توالى هذا التقلب في التعاون الاقتصادي حتى سقوطه عام 1950.



 



لم يكن التشنج الاقتصادي إلا وجها آخر للصراع السياسي بين البلدين. فمع اندلاع الثورة السورية الكبرى في تموز 1925 (أو ثورة الدروز)، عمل دروز سوريا بدعم من الوحدويين السوريين، بعد تحقيق بعض الانتصارات، لنقلها إلى أبناء طائفتهم في لبنان. لم يفلح الأمر في لبنان الجنوبي، بسبب الطابع القومي الذي أخذته الثورة، بغية تحقيق الوحدة بالقوة وإعادة لبنان إلى حدود المتصرفية، الأمر الذي واجه معارضة من الداخل اللبناني ومن دروز الشوف والمتن، مما عجل في وضع القانون الأساسي لتثبيت الكيان اللبناني بدعم من السلطة المنتدبة.



 



بعد استقلال الدولة السورية عام 1936، وقد لحقها لبنان عام 1943، انشغلت سوريا بنفسها، بسبب تعرضها لانقلابات سياسية متتالية، وصولا إلى تسلم حافظ الأسد مقاليد السلطة عام 1971، راسما مجرى جديدا من التدخلات في الشؤون اللبنانية. فالأخير منذ دخول جيشه لبنان، عام 1977، ابتدع "فلسفة خاصة للتاريخ" عن أن "لبنان وسوريا شعب واحد في بلدين". جعل من هذه الفلسفة مبرّرا لتدخله في الشؤون اللبنانية، ونسف كل شكل من أشكال سيادة لبنان واستقلاله. لذا عمل على "الإشراف على الدولة اللبنانية وتأمين تماسكها ضمن حدود مصالحه، والسيطرة على التناحر بين الطوائف والانقسامات في داخلها". وكان يوزع علاقته مع الطوائف وفق مخطّطه هذا. لكنه غفل أن في تاريخ الدول روحا، إذا ابتعد اللاعبون عنها، لفظهم التاريخ خارجه (أحد أسباب سقوط نظام الأسد في سوريا). هذا ما أوصل في نهاية المطاف إلى خروج الوجود السوري من لبنان.



 



والتاريخ أثبت أن اللبنانيين على الرغم من تشرذمهم، اتحدوا في المنعطفات المصيرية (كما حصل أيام الوجود المصري في القرن التاسع عشر) ليحموا الخصوصية التي ميزتهم وتجلت في ميثاقهم الوطني. البداية من الحوار الدرزي-الماروني عام 1998، ثم انفتاح الدروز على "قرنة شهوان"، وبداية التوتر السني-السوري بسبب الخلاف بين رفيق الحريري والنظام السوري، الذي نعت الأخير بأنه وجنبلاط رأس المؤامرة ضد النظام السوري، فكان اغتيال الحريري عام 2005. لكن السحر انقلب على الساحر، بانطلاق حراك وطني ضدّ الوجود السوري، تجلى في "ثورة الأرز"، أدى بدعم من أصدقاء لبنان إلى إخراج السوريين من لبنان. كانت النتيجة المباشرة لهذا الخروج اعترافا رسميا من الدولة السورية بسيادة الدولة اللبنانية عبر فتح سفارة سوريا في بيروت في 15 تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2008.



 



نقل هذا التطور العلاقة بين البلدين إلى مرحلة جديدة، رغم بقاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري والمعاهدات كما أبرمت، مع أن الكثير منها لمصلحة سوريا، إلا أن فتح السفارتين ينقل البلدين إلى مرحلة جديدة هي علاقة دولة بدولة. وهذا يحمل معنى كبيرا للمستقبل. 



 



واليوم، بعد ست عشرة سنة على هذا التطور، وبعدما انطوت صفحة نظام الأسد وتسلّم المعارضون مقاليد السلطة وأعلنوا وضع دستور جديد للبلاد، وتحدثوا عن عدم تدخل سوريا في شؤون لبنان، من المهم تذكر أمرين: الأوّل أن التاريخ برهن أنه لا يمكن دولة أن تذهب بعكس روحها وروح الدول التي تتعامل معها، وهو الأمر الذي أسقط أوّلا نظام الأسد بعدما زعزع العلاقات بين سوريا ولبنان ما يكفي، وثانيا أن الدولتين محكومتان بالتعاون بينهما بسبب التلازم الجغرافي الذي يقوم على مبدأ التعاون من ضمن مبدأ الاعتراف المتبادل، وعدم تدخل الأولى في شؤون الثانية، كما حصل بين سنة 1920 و1927، قبل محاولة تغليب الدفة وفرض توحيد قهري.



 



يجب أن تكون القراءة السليمة للتاريخ بابا لأصحاب القرار، لرسم العلاقة الجديدة بين البلدين من أجل استقرارهما وازدهارهما. يتطلب ذلك إلغاء المجلس الأعلى اللبناني-السوري وإعادة النظر في المعاهدات حتى تحترم شروط التعاون السليم بين دولتين مستقلتين وعدم مسّ بسيادة أيّ منهما، ومن ثمّ ضبط عمل السفارة السورية في لبنان ليكون عملها مقيدا بشروط تبادل الديبلوماسي بين دولتين. هذا يعني أن مستقبل العلاقات اللبنانية - السورية رهن باحترام منطق سيادة الدوّل.